عدد ساعات نوم الرضيع

عدد ساعات نوم الطفل حديث الولادة

يُعد النوم أحد أهم العمليات البيولوجية التي تدعم النمو والتطور السليم للرضيع حديث الولادة. إذ لا يقتصر دوره على الراحة واستعادة النشاط فحسب، بل يمتد ليشمل النمو العقلي والبدني، وتنظيم الجهاز العصبي، وتعزيز المناعة، وبناء أنماط سلوكية وصحية تُلازمه طوال حياته. ولأن النوم لدى الطفل في هذه المرحلة يختلف كليًا عن نوم البالغين، فإن فهم تفاصيله – من حيث عدد الساعات، النمط، والعوامل المؤثرة فيه – يُعد أمرًا بالغ الأهمية لأي والدين يسعيان لتوفير بيئة مثلى لنمو طفلهما.

أولاً: لماذا ينام الطفل حديث الولادة لساعات طويلة؟

حديثو الولادة يقضون معظم وقتهم في النوم، وهو ما يثير دهشة الكثير من الآباء والأمهات الجدد. ويعود ذلك إلى عدة أسباب بيولوجية ووظيفية:

• النمو السريع للجسم والدماغ: النوم يدعم إفراز هرمون النمو الضروري لتطور العضلات، العظام، والأعضاء الحيوية.

• عدم نضج الجهاز العصبي: يتطلب تنظيم النوم واليقظة توازنًا بين مراكز الدماغ المختلفة، وهذه لا تكون مكتملة عند الولادة.

• التكيّف مع العالم الخارجي: الرضيع ينتقل من بيئة رحمية مظلمة وهادئة إلى عالم مليء بالمحفزات؛ والنوم الطويل يساعد في تقليل الإجهاد الناتج عن هذا التغير المفاجئ.

ثانيًا: عدد ساعات النوم المثالية للطفل حديث الولادة

بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) والجمعية الوطنية للنوم (NSF)، فإن الأطفال حديثي الولادة (من الولادة وحتى عمر شهرين) يحتاجون إلى ما بين 14 إلى 17 ساعة من النوم خلال اليوم، وقد تصل إلى 18 أو 19 ساعة أحيانًا لدى بعض الرضع. لكن المهم أن تكون هذه الساعات موزعة على مدار اليوم والليل، وليس دفعة واحدة.

توزيع النوم عند حديثي الولادة

من الجدول أعلاه نلاحظ أن نوم الطفل يتناقص تدريجيًا مع تقدمه بالعمر، بينما يزداد عدد ساعات النوم الليلي، وهذا يدل على تطور الإيقاع البيولوجي لديه بشكل تدريجي.

ثالثًا: طبيعة النوم عند حديثي الولادة

نمط النوم عند حديثي الولادة لا يشبه النوم المستمر لدى الكبار، بل يتكون من دورات قصيرة تتراوح بين 40 إلى 60 دقيقة، وينقسم إلى مرحلتين أساسيتين:

1. النوم النشط (Active Sleep): ويُشبه حركة العين السريعة (REM) عند البالغين. فيه يتحرك الطفل، يحرك أطرافه، تصدر منه أصوات خفيفة وقد يفتح عينيه للحظات. هذه المرحلة تدعم نمو الدماغ بشكل خاص.

2. النوم الهادئ (Quiet Sleep): يكون الطفل ساكنًا، أنفاسه منتظمة، وهذا النوم يدعم الراحة الجسدية وتجديد الخلايا.

هذه الدورات القصيرة تُفسر كثرة استيقاظ الطفل خلال اليوم والليل، خاصةً للرضاعة وتغيير الحفاض أو بسبب الانزعاج.

رابعًا: العوامل التي تؤثر على عدد ساعات نوم الطفل

1. الرضاعة

الرضيع الذي يُرضع طبيعيًا يستيقظ بشكل أكثر تكرارًا من الرضيع الذي يُرضع صناعيًا، لأن حليب الأم يُهضم أسرع. بالتالي، تكون دورات نومه أقصر، وعدد ساعات النوم المجمل قد يتأثر.

2. الحالة الصحية

الأطفال الذين يعانون من المغص، الارتجاع المعدي، أو الحساسية، قد ينامون لفترات أقصر أو يستيقظون بشكل متكرر نتيجة الانزعاج.

3. البيئة المحيطة

الإضاءة، الضوضاء، درجة حرارة الغرفة، ونوع الفراش، كلها تلعب دورًا كبيرًا في تحسين أو اضطراب نوم الطفل.

4. الإيقاع اليومي

عدم انتظام الأوقات بين الرضاعة، تغيير الحفاض، أو الاستحمام، قد يؤدي إلى تشتت النمط اليومي للطفل ويؤثر على نومه الليلي.

خامسًا: مؤشرات النوم الصحي وغير الصحي

مؤشرات النوم الصحي عند الرضيع:

• ينام عدد ساعات يتراوح بين 14-17 ساعة في اليوم.

• يستيقظ للرضاعة وينام بعدها بسهولة.

• لا يظهر عليه علامات شديدة من الإرهاق أو التهيّج خلال اليوم.

• نموه الجسدي والوزني يسير ضمن المعدلات الطبيعية.

مؤشرات اضطراب النوم عند الرضيع:

• نوم أقل من 11 ساعة يوميًا بشكل مستمر.

• الاستيقاظ المفرط مصحوب بالبكاء أو الصراخ.

• صعوبة واضحة في النوم مجددًا بعد الاستيقاظ.

• قلة التفاعل والانتباه خلال فترات اليقظة.

في هذه الحالات، يجب مراجعة طبيب الأطفال للتأكد من عدم وجود مشكلات صحية كامنة.

سادسًا: كيف يساعد الوالدان في تنظيم نوم الطفل؟

حتى وإن لم يكن بمقدور الطفل في هذه المرحلة التفريق بين الليل والنهار بشكل كامل، إلا أن هناك بعض الإجراءات البسيطة التي تُسهم في تعزيز نمط نوم صحي:

• تعريض الطفل للضوء الطبيعي خلال النهار مع تقليل الإضاءة في المساء.

• تثبيت روتين يومي يتضمن الاستحمام، الغناء، التدليك، أو القراءة بصوت هادئ قبل النوم.

• تجنب التحفيز الزائد (كاللعب أو التحدث بصوت مرتفع) أثناء الليل.

• ضبط درجة حرارة الغرفة بين 20 إلى 22 درجة مئوية.

• استخدام ملابس نوم قطنية مريحة وخالية من الإضافات أو الأزرار التي قد تسبب انزعاجًا.

• التأكد من أن الحفاض نظيف وجاف قبل النوم.

سابعًا: متى يبدأ نوم الطفل بالاستقرار؟

بدءًا من عمر 6 إلى 8 أسابيع، تبدأ دورة النوم لدى الطفل بالانتظام تدريجيًا. وفي عمر 3 إلى 4 أشهر، قد يتمكن بعض الأطفال من النوم لفترة أطول ليلًا تصل إلى 5–6 ساعات متواصلة، خاصةً مع اتباع روتين يومي ثابت. أما الاستقرار الكامل في النوم الليلي فيحدث عادة بين عمر 6 أشهر إلى سنة، حسب كل طفل.

ثامنًا: النوم المشترك وتأثيره على عدد ساعات النوم

تلجأ بعض الأمهات للنوم بجانب الرضيع في نفس السرير (النوم المشترك) كوسيلة لزيادة التواصل وتسهيل الرضاعة الليلية. وبينما قد يُساعد هذا الأسلوب بعض الرضع على النوم لفترات أطول، إلا أنه يحمل بعض المخاطر مثل متلازمة الموت المفاجئ للرضع (SIDS)، خصوصًا إن لم يتم اتخاذ احتياطات السلامة.

يوصي الخبراء بأن ينام الرضيع في نفس الغرفة مع الوالدين ولكن في سرير منفصل وآمن حتى عمر 6 أشهر على الأقل.

تاسعًا: الأساطير الشائعة حول نوم الرضع

• “إذا لم ينم الطفل نهارًا، سينام ليلًا أكثر”: خاطئة تمامًا، لأن الإرهاق الزائد يؤدي لصعوبة النوم.

• “يجب إيقاظ الطفل للرضاعة كل ساعتين”: في الأيام الأولى نعم، لكن لاحقًا إذا كان يكتسب الوزن بشكل جيد، يمكن السماح له بالنوم لفترات أطول.

• “الطفل يجب أن ينام طوال الليل في عمر شهرين”: هذا غير دقيق؛ عدد قليل جدًا من الأطفال يمكنه تحقيق ذلك بهذا العمر.

عاشرًا: النوم وعلاقته بتطور الرضيع

الدراسات تشير إلى أن الأطفال الذين ينامون لفترات كافية يتمتعون بتطور إدراكي وحركي أفضل. فالنوم يؤثر على:

• الذاكرة والتعلّم

• الانتباه والتركيز

• القدرة على التفاعل الاجتماعي

• المزاج وتنظيم العواطف

لذلك، فإن النوم لا يُعد رفاهية، بل ضرورة بيولوجية لا تقل أهمية عن التغذية.

المراجع العلمية

1. American Academy of Pediatrics – Sleep Guidelines for Infants
   
   https://www.aap.org

2. National Sleep Foundation – Baby Sleep Recommendations
   
   https://www.sleepfoundation.org